-->

Friday, October 10, 2025

قرار وزير العمل رقم 214 لسنة 2025 (دراسة نقدية لنصوص القرار)

 

                               قرار وزير العمل رقم 214 لسنة 2025             

(دراسة نقدية لنصوص القرار)

أولًا: الهدف من القرار

أصدر وزير العمل قراره رقم 214 الصادر في اليوم الخامس من الشهر العاشر من العام الخامس والعشرين بعد الألفين، والذي جاء في تسع مواد مقسمة كالتالي:

المادة الأولى: التعريف بعقد العمل.

المادة الثانية: كتابة العقد وإيداعه (شكل العقد ونسخة).

المادة الثالثة: آلية إيداع النسخة الرابعة من العقد في الجهة الإدارية المختصة (تنفيذًا لنص المادة 89 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 14 لسنة 2025).

المادة الرابعة: إيداع الإنهاء أو الانتهاء للعقد بالطريقة ذاتها الخاصة بإيداع نسخة العقد.

المادة الخامسة: إيضاح خاص بالعقود غير محددة المدة.

المادة السادسة: البيانات الأساسية للعقد.

المادة السابعة: تحرير العقد باللغتين العربية والأجنبية إذا كان العامل أجنبيًا.

المادة الثامنة: أُطلق عليها المشورة والإرشاد.

المادة التاسعة: خاصة بالنشر في الوقائع المصرية.

 

وأول ما يمكن ملاحظته في هذا القرار أنه قد صدر لإيضاح آلية إيداع النسخة الرابعة من عقد العمل تنفيذًا للمادة 89 من القانون السابق الإشارة إليه، والتي جاء في فقرتها الأولى:

"يلتزم صاحب العمل بتحرير عقد العمل كتابة باللغة العربية من أربع نسخ، يحتفظ صاحب العمل بنسخة، وتسلم نسخة للعامل، وتودع الثالثة بمكتب التأمين الاجتماعي المختص، والنسخة الرابعة بالجهة الإدارية المختصة."

وحيث قد ثار الجدل في هذا الأمر، ذلك أن المادة قد أوضحت أن العقد يُحرر من أربع نسخ، وفي الوقت الذي نعرف كيف يكون التعامل مع النسخ الثلاث الأولى – فواحدة تبقى في الملف (الخاصة بصاحب العمل وواحدة تُعطى للعامل كونه الطرف الثاني في علاقة العمل، وأخرى تُودع بمكتب التأمينات وتُرفق مع استمارة (1) تأمينات – لم يكن أحد يعلم آلية إيداع النسخة الرابعة في الجهة الإدارية المختصة.

فجاء هذا القرار موضحًا هذه الآلية في المادة الثالثة منه.

 

ثانيًا: الإطار القانوني لإصدار القرار

وقبل أن نتناول هذا القرار بالنقد و نفند مواده التسع، وجب أن نوضح أنه قرار لم يصدر استنادًا إلى قانون، فوازير العمل غير مفوض بإصدار قرارات تنفيذًا لأي مادة قانونية من مواد قانون العمل، ولكن لتلك فقط التي فوضه القانون بها. وقد وردت عبارة "ويصدر الوزير المختص" في القانون نحو ثلاثين مرة في مواضع ليس من بينها الأمر الخاص بإيداع النسخة الرابعة، الأمر الذي يجعل من إصدار قرار وزاري في هذا الشأن ليس في محله.

وكان يمكن الاكتفاء بكتاب دوري أو تعليمات من الوزارة دون الحاجة إلى إجراء بحجم القرار الوزاري، وخاصة أن القانون قد كلف الوزير بإصدار قرارات في أمور أهم من هذا الأمر وإلى الآن (لا حس ولا خبر).

ولكن إن تجاوزنا هذه النقطة من باب (اللي ييجي من وزارة العمل فايدة فلا يزال هذا القرار –من وجهة نظري– مليئًا بالمشكلات التي تستحق الوقوف عندها.

 

ثالثًا: المواد الزائدة أو المكررة

فكما سبق وأوضحنا أن القرار مكوَّن من تسع مواد، فإن استبعدنا المادة التاسعة (مادة النشر) سيتبقى لنا ثماني مواد، ومن هذه الثماني مواد سنجد أننا أمام أربع مواد مزيدة بشكل كامل، أي أنه لم يكن هناك داعٍ لذكرها بالكلية؛ إذ لا تعدو أن تكون ترديدًا لمواد قانون العمل.

وهذه المواد هي:

المادة الأولى من القرار الوزاري: التعريف بعقد العمل، والتي جاء بها:

"(المادة الأولى) عقد العمل هو العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب عمل تحت إدارته أو إشرافه لقاء أجر."

وهي تكرار حرفي لنص المادة (86) الفصل الأول من الباب الأول من الكتاب الثالث من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 14 لسنة 2025، والتي جاء بها:

"مادة (86): تسري أحكام هذا الفصل على العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يعمل لدى صاحب عمل تحت إدارته أو إشرافه لقاء أجر."

المادة الثانية: كتابة العقد وإيداعه (شكل العقد ونسخة والتي جاء بها:

"(المادة الثانية) يلتزم صاحب العمل بتحرير عقد العمل كتابة باللغة العربية من أربع نسخ، يحتفظ بنسخة لديه بملف خدمة العامل، وتُسلم نسخة للعامل، وتودع الثالثة بمكتب التأمين الاجتماعي المختص، والنسخة الرابعة بالجهة الإدارية المختصة."

وهذه المادة ما هي إلا تكرار حرفي لنص المادة (89) من القانون ذاته، والتي جاء بها:

"مادة (89): يلتزم صاحب العمل بتحرير عقد العمل كتابة باللغة العربية من أربع نسخ، يحتفظ صاحب العمل بنسخة، وتُسلم نسخة للعامل، وتودع الثالثة بمكتب التأمين الاجتماعي المختص، والنسخة الرابعة بالجهة الإدارية المختصة."

كذلك المادة السادسة من القرار، التي تناولت البيانات الأساسية للعقد، حيث ذكرت:

"(المادة السادسة) البيانات الأساسية لعقد العمل: يجب أن يتضمن العقد على الأخص البيانات الآتية:

1- تاريخ بداية العقد.

2- اسم صاحب العمل وعنوان محل العمل.

3- اسم العامل ومؤهله، ومهنته، أو حرفته ورقمه التأميني، ومحل إقامته، وما يلزم لإثبات شخصيته.

4- طبيعة ونوع العمل محل العقد.

5- الأجر المتفق عليه، وطريقة وموعد أدائه، وسائر المزايا النقدية والعينية المتفق عليها."

وهذه المادة أيضًا تكرار للقانون، الذي جاء في مادته (89) الفقرة الثالثة:

"ويجب أن يتضمن العقد على الأخص البيانات الآتية:

1- تاريخ بداية العقد.

2- اسم صاحب العمل وعنوان محل العمل.

3- اسم العامل ومؤهله، ومهنته، أو حرفته ورقمه التأميني، ومحل إقامته، وما يلزم لإثبات شخصيته.

4- طبيعة ونوع العمل محل العقد.

5- الأجر المتفق عليه، وطريقة وموعد أدائه، وسائر المزايا النقدية والعينية المتفق عليها."

أما المادة السابعة من القرار، الخاصة بتحرير العقد باللغتين العربية والأجنبية إذا كان العامل أجنبيًا، فجاءت كما يلي:

"(المادة السابعة) إذا كان العامل أجنبيًا ولا يجيد اللغة العربية، يحرر عقد العمل باللغة العربية ولغة العامل، أو باللغة العربية واللغة الإنجليزية، وفي حالة الاختلاف في التفسير يُعمل بما تم تحريره باللغة العربية."

والحقيقة أن هذه المادة – كسابقتها – تعتبر تكرارًا لنص المادة (89) الفقرة الثانية من قانون العمل، التي جاء بها:

"وإذا كان العامل أجنبيًا ولا يجيد اللغة العربية، يجوز أن يُحرر عقد العمل باللغة العربية ولغة العامل، وفي حالة الاختلاف في التفسير يُعمل بعقد العمل المحرر باللغة العربية."

 

رابعًا: المادة الغريبة في القرار

وبعد أن تناولنا المواد الزائدة في هذا القرار، يجب أيضًا أن نؤكد أن هناك مادة تُعد غريبة عن القرار، وهي المادة الثامنة منه، التي جاءت تحت عنوان (المشورة والإرشاد موضحة أن الجهة الإدارية لها – إن طُلب منها – أن تقدم المشورة لأطراف علاقة العمل ومحاولة مساعدتهم في تحديد طبيعة العلاقة، وما إذا كانت علاقة عمل أم علاقات من نوع آخر قد تتشابه معها كالوكالة أو المقاولة.

وعلى الرغم من أنها مبادرة طيبة من الوزارة أن تقدم هذا النوع من الدعم الهام لسوق العمل، إلا أنك ستحتاج إلى النظر مليًا إلى هذه المادة حتى تجد لها رابطًا منطقيًا (علاقة العمل ذاتها) مع بقية مواد القرار التي تناولت بشكل خاص (عقود العمل).

فللحظة ستشعر أن هذه المادة كصوت نشاز مع بقية القرار، ولكنك تحتاج إلى النظر إليها مرتين قبل أن تألف وجودها. ومع ذلك سنتغاضى عنها، فليست هي موضوعنا الأساسي.

 

       خامسًا: المادة الثالثة (أهم مواد القرار)

أما موضوعنا الأساسي فهو المادة الثالثة من القرار، التي جاء بها:

"(المادة الثالثة) تودع النسخة الرابعة من العقد المشار إليها في المادة السابقة بمديرية العمل المختصة ورقيًا أو إلكترونيًا على البريد الإلكتروني الرسمي للمديرية، وفقًا للبيان المرفق بهذا القرار، مع مراعاة الشروط والضوابط الآتية:

• إرسال العقود من البريد الإلكتروني الرسمي المعتمد للشركة.

• إرفاق نسخة معتمدة من السجل التجاري أو الصناعي، والبطاقة الضريبية للمنشأة.

• إرفاق صورة بطاقة الرقم القومي أو جواز السفر لصاحب العمل أو رئيس مجلس الإدارة بحسب الأحوال.

• أن تتضمن الرسالة الإلكترونية اسم الشركة، ومقر عملها الرئيسي أو مقر الفرع بحسب الأحوال، ورقمها التأميني، وعدد العقود المرفقة.

• إرفاق بيان يتضمن أسماء العمال، وأرقامهم القومية، وأجورهم، والمهن التي يعملون بها، ومدة عقد العمل إذا كان محدد المدة، على أن يُرفق البيان بعد اعتماده بخاتم المنشأة في ملف (PDF) وملف (Excel).

• إرفاق كل عقد في ملف PDF منفصل، وتسميته باسم العامل ورقمه القومي."

والحقيقة أن هذه المادة، رغم تفصيلها، تُعد الوحيدة المعتبرة في هذا القرار، والتي لها أهمية عملية، مع بقاء رأيي بأن الأمر لم يكن بحاجة إلى قرار وزاري، وكان يمكن الاكتفاء بكتاب دوري أو تعليمات إدارية.

ومع هذا، فإن المادة جاءت لتوضح آلية التنفيذ لنص المادة (89) من قانون العمل، وتحديدًا مصير النسخة الرابعة من عقد العمل، وقد جاءت مفصلة وواضحة، بل – وعلى عكس المتوقع – جاءت أيضًا بفكر جديد مواكب للتطور التكنولوجي بجعل التسليم ممكنًا بالبريد الإلكتروني الرسمي للشركات.

 

        سادسًا: المادتان المستحدثتان والمطعون فيهما

لكن القرار – لو اكتفى بالمواد السابق الإشارة إليها (المزيد منها والهامة) – لما استحق عناء النقد، غير أن هناك مادتين في هذا القرار تستحقان فعلًا الوقوف عندهما، أولاهما المادة الرابعة:

"(المادة الرابعة) يجب أن يتم بالطريقة ذاتها إيداع نسخة من تجديد العقود محددة المدة، أو ما يفيد تجديدها، وكذلك موافاة مديرية العمل المختصة بحالات انتهاء عقد العمل دون تجديد، أو إنهائه لأي سبب من الأسباب، وذلك في موعد لا يتجاوز خمسة عشر يومًا من تاريخ التجديد أو عدم التجديد أو الإنهاء."

وهذه المادة من الغرابة على وجهين:

الوجه الأول: هو إلزام الشركات بأمر جديد بالكلية لم يرد في قانون العمل، وهو إيداع نسخة من تجديد العقود محددة المدة بالجهة الإدارية المختصة بالطريقة ذاتها التي يتم بها إيداع العقود (ورقيًا أو إلكترونيًا).

وإذا كان أصحاب الأعمال ملتزمين بالإيداع في حالة إبرام العقد تنفيذًا لنص المادة (89) من قانون العمل، فإنه لا يوجد إلزام عليهم بإيداع التجديد في أي من مواد القانون سالف الذكر، الأمر الذي يجعل من هذا القرار منشئًا لحكم جديد بالكلية.

ويتكرر الأمر في الوجه الثاني من هذه المادة حينما ألزم أصحاب الأعمال بموافاة الجهة الإدارية المختصة بحالات انتهاء عقد العمل أو إنهائه حسب الأحوال، وهذا الأمر أيضًا حكم جديد لم يرد في مواد قانون العمل نهائيًا.

وكأن الوزير المختص قد قرر من عنده أن ينشئ حكمًا جديدًا مكمّلًا ومتممًا للقانون، وهو ما يخالف قانون العمل ذاته، الذي لم يمنح الوزير المختص الحق في إنشاء القواعد، بل صرح له فقط بإصدار القرارات المنفذة للقانون ذاته، وذلك تنفيذًا لنص المادة الحادية عشرة من مواد إصدار قانون العمل التي جاء بها:

"يصدر الوزير المعني بشئون العمل القرارات المنفذة لأحكام هذا القانون والقانون المرافق..."

والملاحظ هنا أن الوزير المختص ليس له أن ينشئ قواعد جديدة، وعمله كله يقتصر على آليات التنفيذ كلما طلب منه القانون ذلك، وهو ما خرج عنه الوزير حينما أتى بحكمين جديدين عن القانون، بأن ألزم الشركات بإيداع تجديد العقود وموافاة الجهة الإدارية بالإنهاء والانتهاء كما جاء بالمادة الرابعة من القرار.

واستكمالًا لهذا الخروج، رددت المادة الخامسة من القرار نفس الأمر حينما جاء بها:

"(المادة الخامسة) لا يلتزم صاحب العمل بالإيداع المشار إليه في المادة الثالثة من هذا القرار، إذا كانت عقود العمل غير محددة المدة مبرمة قبل تاريخ نفاذ قانون العمل المشار إليه (1 سبتمبر 2025). فإذا كانت عقود العمل محددة المدة مبرمة قبل نفاذ قانون العمل، فيجب إيداع نسخة منها عند أول تجديد."

وإذا استبعدنا من المادة الخامسة فقرتها الأولى – التي لا تعدو أن تكون ترديدًا لمقتضيات العقل والمنطق، فلا يتصور أن يُلزم أصحاب الأعمال بإيداع نسخ من العقود التي لم يكن القانون ساريًا عليها أثناء إبرامها – فإن الفقرة الثانية من المادة يجب أن ينالها ما نال المادة الرابعة من النقد، فإيداع نسخة من تجديد العقود – حتى تلك التي أُبرمت قبل القانون وجاء وقت تجديدها أثناء سريانه – لا يستند إلى أي من مواد قانون العمل.

 

سابعًا: العقوبات والغرامات

وبعد كل ما تناولناه من نقد ونقض لهذا القرار، سواء المواد الزائدة فيه التي جاءت لتردد -بلا داعٍ- مواد القانون، أو تلك التي أنشأت أحكامًا جديدة بالكلية لم يرد عليها ذكر في القانون، جاء الوقت لتأكيد مشكلة أهم، وهي أن كل هذه المواد – وخاصة تلك التي خلقت أحكامًا جديدة – لا يوجد على مخالفها أو تاركها أي عقوبة، حيث إن العقوبات التي يجوز توقيعها على أصحاب الأعمال هي فقط تلك المذكورة في القانون بالمخالفة لمواده

وبالتالي لا يوجد أي مخالفة إلا في حالة عدم إيداع العقد المحرر من أربعة نسخ بالجهة الادارية المختصة سواء تم ذلك ورقيا لدى مديرية القوى العاملة أو الكترونيا بالأسلوب الذي ردده القرار

وهذه الغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه تطبيقا لنص الفقرة الثانية من المادة 288 من قانون العمل

أما باقي مواد القرار التي جاءت بأحكام جديدة لم يرد عليها ذكر في القانون، فلا يوجد لها بالتبعية أي مخالفة أو عقوبة، فإن وجودها سيجعلها هي والعدم سواء، والهروب منها سيكون سهلًا على أصحاب الأعمال.

 

خاتمة

في النهاية، فهذا القرار – ولسبب ما – لم يكن موفقًا بالقدر الكافي، بل كان كافيً ألا يكون هناك قرار من الأساس، وأن يُكتفى بترديد ما جاء بالمادة الثالثة منه في كتاب دوري كما اعتادت عليه وزارة العمل.

Post a Comment