-->

Saturday, June 7, 2025

دراسة نقدية لنص المادة (129) من قانون العمل المصري رقم 14 لسنة 2025

 

دراسة نقدية لنص المادة (129)

 من قانون العمل المصري رقم 14 لسنة 2025

ملخص:
يتناول هذا البحث بالنقد والتحليل المادة (129) من قانون العمل المصري الصادر بالقانون رقم 14 لسنة 2025، والتي نظّمت حق العامل في الإجازات المرتبطة بالعطلات الرسمية والأعياد والمناسبات. ويركّز التحليل على محورين رئيسيين: أولًا، التفرقة التشريعية في التعامل مع الأعياد الدينية لغير المسلمين وإحالة تنظيمها إلى قرار مجلس الوزراء، وثانيًا، آلية تعويض العامل في حالة تشغيله خلال هذه الأيام. ويخلص البحث إلى أن المادة، بصيغتها الحالية، تثير إشكالات تطبيقية وتناقضات مع فلسفة تشريعات العمل.






أولًا: تحليل الإحالة إلى قرار مجلس الوزراء بشأن الأعياد الدينية لغير المسلمين

نصت المادة (129) على أن "للعامل الحق فى إجازة بأجر فى العطلات والأعياد والمناسبات التى يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص" ، كما نصت على أن "وتسرى بالنسبة للأعياد الدينية لغير المسلمين أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في هذا الشأن".
وتثير هذه الصياغة إشكاليتين رئيسيتين:

1-    التعارض مع فلسفة تشريعات العمل

تقوم الفلسفة التشريعية لقوانين العمل على مبدأ المساواة بين جميع العاملين في الحقوق والواجبات، باستثناءات محدودة تهدف إلى حماية الفئات الأكثر هشاشة في سوق العمل، مثل المرأة العاملة، والطفل العامل، وذوي الإعاقة. غير أن الإحالة إلى قرار مجلس الوزراء لتنظيم الأعياد الدينية لغير المسلمين ينطوي على تمييز قائم على الانتماء الديني، دون مبرر موضوعي يتسق مع منطق حماية الفئات الأضعف.

 ويُلاحظ أن هذه الإجازات لا تُقر بشكل قومي يشمل جميع المواطنين، بل تُخصص لأتباع ديانات دون غيرهم، ما قد يُفضي إلى شعور بالتمييز ويخالف مبدأ تكافؤ الفرص داخل بيئة العمل.

2-    إشكالية القرار المُحال عليه

لم يُحدد النص في (المادة 129) صراحةً القرار المقصود، إلا أنه يُفهم أن المقصود به هو قرار مجلس الوزراء رقم 47 لسنة 1953، الصادر في 1 يوليو 1953، بشأن تحديد العطلات الخاصة بالمسيحيين واليهود.
ويُؤخذ على هذا القرار ما يلي:

  • التمييز بين الطوائف الدينية المسيحية، إذ يفرّق القرار بين الأرثوذكس من ناحية والكاثوليك والبروتستانت من ناحية اخرى، - ففضلا عن خلق طبقات من الطائفية- فانه يُحدث صعوبة تطبيقية نظرًا لعدم توافر بيانات رسمية حول الطائفة الدينية في المستندات الحكومية، مما يعوق مسؤول شؤون العاملين في المنشآت الخاصة عن التحقق من استحقاق العطلة.
  • غموض الصياغة، حيث استخدم القرار رقم 47 لسنة 1953  عبارة "يُسمح بالتغيب" دون أن ينص صراحةً على أن هذا التغيب يكون مدفوع الأجر ويقينًا، لا لغةً ولا فقهًا، كلمة "التغيب" تعني أو تفيد معنى "الإجازة مدفوعة الأجر"، ما يفتح الباب أمام تفسيرات عدة ويصبح موضوع القرار لا يتوافق  مع موضوع نص المادة (129) التي قررت أن تكون الإجازة "بأجر".

 

 


ثانيًا: آلية تعويض العامل عند التشغيل في العطلات الرسمية

تنص (المادة 129) على أنه " ولصاحب العمل تشغيل العامل في هذه الأيام ، إذا اقتضت ظروف العمل ذلك ، ويستحق العامل في هذه الحالة بالإضافة إلى أجره عن هذا اليوم مثلى هذا الأجر "، ثم استدركت "أو أن يمنح العامل يومًا آخر عوضًا عنه بناءً على طلب كتابي من العامل يودع بالملف الخاص به"

وتُثار بشأن هذه الفقرة ملاحظتان نقديتان:

1-    مخالفة فلسفة التعويض المنصوص عليها في التشريعات السابقة

يُعتبر تشغيل العامل في يوم عطلة رسمية استثناءً يستوجب تعويضًا عادلاً. وقد استقرت فلسفة قانون العمل الملغى رقم 12 لسنة 2003، على أن التعويض الوحيد المقبول هو التعويض المالي، نظرًا لأن الأعياد ترتبط بفرصة اجتماعية وظرف زماني لا يُعوّض. وبالتالي فإن منح يوم بديل لا يحقق الغاية من التعويض، لأن "فرحة المناسبة" قد ولّت.

2-    عدم التكافؤ بين بدائل التعويض

في حين يُعادل الخيار الأول (المادي) مثلي الأجر، فإن الخيار الثاني (البديل) يقتصر على منح يوم إجازة فقط، وهو ما يُحدث تفاوتًا واضحًا في القيمة بين البديلين، ويفتح الباب أمام استغلال محتمل من صاحب العمل، الذي قد يفرض البديل الأقل تكلفة عليه، بدعوى أن النص القانوني يسمح بذلك، مما قد يُضعف موقف العامل في حال النزاع.

ورغم أن النص يوحي بأن الاختيار بيد العامل، إلا أن الواقع العملي يُظهر أن ميزان القوة التفاوضية يميل لصاحب العمل، ما يجعل العامل مضطرًا لقبول الخيار الأقل قيمة

 

 

 


خاتمة

يتبين من العرض السابق أن المادة (129) من قانون العمل المصري رقم 14 لسنة 2025، وإن كانت تهدف إلى تنظيم مسألة الإجازات الرسمية وتعويض العمل خلالها، إلا أن صياغتها الحالية تنطوي على إشكالات تطبيقية. وينبغي إعادة النظر فيها بما يضمن المساواة بين جميع العاملين، ويكفل وضوحًا تشريعيًا يحقق الأمن القانوني، ويمنع إساءة استخدام السلطة التقديرية من قبل أصحاب الأعمال.

 

Post a Comment